At-Tuhfa An-Nadiyyah Sharh Al-`Aqeedah Al-Waasitiyyah
التحفة الندية شرح العقيدة الواسطية
ناشر
مركز النخب العلمية-القصيم
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م.
محل انتشار
بريدة
ژانرها
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعل العلم النافع طريقًا موصلًا لرضاه، وصراطًا يتبعه من أراد هداه، ويحيد عنه من ضل واتبع هواه، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص:٥٠]، ونشهد أن لا إله إلا الله؛ رفع شأن العلم وأهله حتى وصلوا من المجد إلى منتهاه، وبلغوا من العز أعلى ذراه، فمَن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهَّل الله له به طريقًا إلى جنَّته وعُلاه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله؛ الرحمة المهداة، والنعمة المُسْداة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة التقاة، ومَن سار على نهجه إلى يوم لقاه.
أما بعد:
فهذا هو الكتاب الثالث (^١) من المنهجية العلمية التأصيلية للتميُّز التي نرجو أن تعين طالب العلم، وتأخذ بيده إلى طريق واضح نَيِّر؛ لينشد غايته من العلم الشرعي الصحيح على ضوء الكتاب والسنة بخطوات ثابتة مدروسة.
ومنهجيةُ التميز تُرَكِّزُ على جوانبَ غايةٍ في الأهمية في مسيرة طالب العلم
_________
(^١) أصل هذا الكتاب دروس في شرح الواسطية ألقاها الشيخ/د. عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل بجامع العودة ببريدة عام (١٤٢٩ هـ)، فقام الطلاب بتفريغها، ثم جرى عليها قلم التعديل والتهذيب والإضافة.
1 / 5
نحو هدفه، ومن تلك الجوانب:
- اختيار أبرز وأهم المتون العلمية، وشرحها شرحًا مناسبًا يقرِّب العلم ويسهل إتقانه.
- توفير كتب الشروح مع وضع خطة للمراجعة المستمرة لجميع هذه الشروح بشكل دوري.
- رعاية طالب العلم مع متابعته في مسيرته من خلال سجل خاص بكل طالب علم.
- المتابعة والتواصل مع الطلاب عن طريق رسائل الجوال.
- وضع البرامج والخطط العلمية الإضافية لمن يجد لديه همةً وطموحًا وسعةً من الوقت.
- طرح برامج علمية تتمثل في:
o برنامج حفظ المتون أو الصحيحين.
o برنامج المناقشة العلمية لشروح المنهجية.
o برنامج القراءة الحرة والاطلاع على كتب الأئمة المحققين، كابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
وهذه البرامج الثلاثة اختيارية، ويراعى فيها المستوى العلمي ووفرة الوقت لدى طالب العلم.
- الاهتمام بالجوانب الإيمانية والسلوكية والخُلُقِيَّة من خلال الدروس واللقاءات العلمية.
1 / 6
- إعانة طالب العلم، وتذليل العقبات أمامه من خلال الجلسات العامة والفردية؛ لمعالجة عوائق الطلب، وأَدْواء الطريق؛ كالاضطراب في المنهج والتشتُّت في التلقي، مع تقديم المناهج العلمية المُعِينةِ على التحصيل في جميع مسارات العلم.
- لطالب العلم الراغب في الالتحاق بالمنهجية إمكانيةُ اللَّحاق واستدراك ما فاته؛ وذلك بالتواصل مع اللجنة العلمية من خلال الجوال الخاص بالمنهجية، أو التواصل المباشر مع د. عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل، ويفضل الحضور لأجل المتابعة بشكل دوري ثابت حسب ظروف المشارك، ويمكن أن يلتحقَ بالمنهجية طالبُ العلم الذي لا يتمكن من الحضور - سواءٌ في منطقة القصيم أو خارجها أو خارج المملكة - وذلك بتوفير شروح المنهجية له، ومتابعته في قراءتها وإتقانها من خلال التواصل عن طريق جوال المنهجية أو موقع مركز النخب العلمية على الشبكة العالمية.
أمدَّنا الله وإياكم بالعلم النافع، ووهبنا من لدنه رحمة وفضلًا.
قسم المطبوعات بمركز النخب العلمية
جوال: ٠٥٠٦٥٤٣٠٩٠
جوال المنهجية: ٠٥٣٠١٢٣١٢٧
البريد الإلكتروني: al_khaleefa@hotmail.com
1 / 7
ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
اسمه ونسبه:
هو: أحمد بنُ عبد الحليم بنِ عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية، النميري نسبًا، الحرَّاني مولدًا، ثم الدمشقي منشأً، الحنبلي مذهبًا، المَكْني بأبي العباس، والملقب بـ «شيخ الإسلام»، وتقيِّ الدين، والمعروف بـ «ابن تيمية».
مولده ونشأته وطلبه للعلم:
وُلِدَ ابن تيمية ﵀ بحَرَّان يوم الاثنين ١٠ ربيع الأول سنة ٦٦١ هـ، ونشأ بها، ثم هاجر مع أسرته إلى دمشق عام ٦٦٧ هـ فرارًا من ظلم التتار.
وقد نشأ ﵀ في أسرة علمٍ ودين وفضل، فآباؤه وأجداده وإخوانه كانوا من العلماء المعروفين.
حفظ القرآن الكريم في صغره، وأخذ العلم عن عددٍ من العلماء، فأتقن التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها من العلوم في سِنٍّ مُبَكِّرة، وناظر واستدل وهو دون البلوغ، وأفتى وأَلَّفَ في سن السابعة عشرة، ودرَّس في الحادية والعشرين من عمره، بعد وفاة والده.
1 / 9
شيوخه:
أخذ ابن تيمية ﵀ عن أكثرَ مِن مائتي شيخ، منهم:
١ - أبو محمد عفيف الدين عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس العلثي ثم البغدادي (ت:٦٨٥ هـ).
٢ - أبو إسحاق تقي الدين إبراهيم بن علي بن أحمد الصالحي الواسطي الحنبلي (ت:٦٩٢ هـ).
٣ - شرف الدين المقدسي أحمد بن كمال الدين أحمد بن نعمة الشافعي (ت:٦٩٤ هـ).
٤ - أبو البركات زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد التنوخي الدمشقي (ت:٦٩٥ هـ).
٥ - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي، المداوي (ت:٦٩٩ هـ).
٦ - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن إسماعيل بن أبى سعد الشيباني الآمدي (ت:٧٠٤ هـ).
تلاميذه:
أخذ عن شيخ الإسلام عددٌ كبير من العلماء، منهم:
١ - أبو عبد الله شرف الدين محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، الدمشقي (ت:٧٢٤ هـ).
1 / 10
٢ - جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البتي الحنبلي البغدادي، المقرئ الفقيه (ت:٧٢٦ هـ).
٣ - يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج جمال الدين القضاعي الكلبي المزي (ت:٧٤٢ هـ).
٤ - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الصالحي الحنبلي (ت:٧٤٤ هـ).
٥ - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز، الذهبي التركماني، ثم الدمشقي (ت:٧٤٨ هـ).
٦ - أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن موسى بن خليل البغدادي الأزجي البزار (ت:٧٤٩ هـ).
٧ - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي الحنبلي؛ ابن قيمِ الجَوْزية (ت:٧٥١ هـ).
٨ - أبو العباس شرف الدين أحمد بن حسن بن عبد الله بن عمر الصالحي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن قاضي الجبل (ت:٧٧١ هـ).
٩ - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير، البصري ثم الدمشقي الشافعي (ت:٧٧٤ هـ).
عقيدته ومذهبه:
شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من أئمة المنهج السلفي، الذين نشروا معتقد أهل السنة والجماعة، ودافعوا عنه، وخيرُ شاهد على ذلك كتبُه في
1 / 11
العقيدة التي تلقَّاها العلماء سلفًا وخلفًا بالقبول.
وأما مذهبه الفقهي فهو ينتسب إلى مذهب الحنابلة في الجملة، لكنه لم يتعصب له، بل خالفه في كثير من اختياراته، ويؤكد ذلك قولُه في مجموع الفتاوى (^١): «مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أَدْعُ أحدًا قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرتُ لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلفُ الأمة وأئمتُها».
مؤلفاته وآثاره العلمية:
ترك شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ثروة علمية كبيرة قيمة، ضَمَّنَهَا مؤلفاتِه وآثارَه، منها ما وصل إلينا ومنها ما لم يصل، ولكن المصادر التي ترجمت له، والعلماء الذين نقلوا عنه في كتبهم احتفظوا لنا بأسماء بعضها، وفيما يلي ذكر لأهمها وأشهرها:
١) الإخنائية، أو الرد على الإخنائي.
٢) الاستقامة.
٣) إقامة الدليل على إبطال التحليل.
٤) اقتضاءُ الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم.
٥) الإيمان.
٦) بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية.
_________
(^١) (٣/ ٢٢٩).
1 / 12
٧) بيان تلبيس الجهمية.
٨) التحفة العراقية.
٩) التدمرية.
١٠) التسعينية.
١١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.
١٢) الحسبة في الإسلام.
١٣) درء تعارض العقل والنقل.
١٤) الرد على المنطقيين.
١٥) الرسالة العرشية.
١٦) رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
١٧) شرح العقيدة الأصفهانية.
١٨) شرح حديث النزول.
١٩) شرح عمدة الفقه.
٢٠) الصارم المسلول على شاتم الرسول.
٢١) الصفدية.
٢٢) العبودية.
٢٣) العقيدة الواسطية.
٢٤) الفتاوى الكبرى.
1 / 13
٢٥) الفتاوى المصرية.
٢٦) الفتوى الحموية الكبرى.
٢٧) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
٢٨) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة.
٢٩) القواعد النورانية الفقهية.
٣٠) مجموع الفتاوى.
٣١) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية.
٣٢) النبوات.
٣٣) نقد مراتب الإجماع.
٣٤) نقض المنطق.
٣٥) الواسطة بين الحق والخلق.
مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ مكانة عظيمة عند الناس؛ ولهذا لهِج العلماء - قديمًا وحديثًا - بالثناء عليه، وفيما يلي ذكر لبعض أقوالهم:
قال ابن دقيق العيد (ت:٧٠٢ هـ): «لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا العلومُ كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد» (^١).
وقال المِزِّي (ت:٧٤٢ هـ): «ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثلَ نفسه، وما
_________
(^١) الرد الوافر ص (٥٩).
1 / 14
رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا أتبعَ لهما منه» (^١).
وقال الذهبي (ت:٧٤٨ هـ): «ما رأيت أحدًا أسرعَ انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشدَّ استحضارًا لمتون الأحاديث وعزوِها إلى الصحيح أو المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف» (^٢).
وقال ابن كثير (ت:٧٧٤ هـ): «قلَّ أن سمع شيئًا إلا حفظه ... وما قُطِع في مجلس، ولا تكلم معه فاضلٌ في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه، ورآه عارفًا به متقنًا له» (^٣).
وقال أبو البقاء السبكي (ت:٨٤٢ هـ): «ما يبغض ابنَ تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى» (^٤).
محنته:
لقد نال شيخَ الإسلام ابن تيمية ﵀ صنوفٌ من الأذى، وأنواعٌ من المحن كغيره من المصلحين الذين أوذوا في ذات الله من العلماء والأئمة، وقبلهم الأنبياء والرسل، وهذه سنة جارية.
فمنزلة شيخ الإسلام العالية، وشهرته الكبيرة؛ دفعت خصومه والناقمين
_________
(^١) العقود الدرية ص (٢٣).
(^٢) ذيل تاريخ الإسلام للذهبي ص (٢١ - ٢٣).
(^٣) البداية والنهاية (١٤/ ١٥٧).
(^٤) الرد الوافر ص (٢٤).
1 / 15
عليه إلى إلصاق التهم به، وتأليب الحكام عليه، حسدًا من عند أنفسهم؛ فكانت النتيجة سجنه ﵀ سبع مرَّات، كانت الأخيرة منها بقلعة دمشق لمدة عامين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا؛ بسبب فتوى له في مسألة شد الرحال إلى قبر النبي ﷺ زاعمين أنه ينتقص جناب الأنبياء والأولياء، وحاشاه من ذلك.
وفاته:
توفي شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ليلة الاثنين ٢٠ من ذي القعدة سنة (٧٢٨ هـ) بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسًا بها (^١).
_________
(^١) ينظر: العقود الدرية ص (٣٨٥)، وتاريخ الإسلام (٤٩/ ٩٢)، وسير أعلام النبلاء (٢٢/ ٢٨٩)، وتاريخ ابن الوردي (٢/ ٢٧٥)، والأعلام العلية ص (١٦ - ٢٩)، والبداية والنهاية (١٤/ ١٥٦)، والرد الوافر ص (٥٩)، والبدر الطالع (١/ ٦٣)، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون ص (٥ - ٧٤٥).
1 / 16
نبذة تعريفية بالعقيدة الواسطية
نسبة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام:
لا شك في صحة نسبة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد توافرت الأدلة على ثبوت نسبتها إليه، ويؤكد ذلك الحقائق التالية:
١ - تصريح شيخ الإسلام بتأليفه لها كما في «مجموع الفتاوى» (^١)، وهذا سيد الأدلة.
٢ - أن كثيرًا من الذين ترجموا لشيخ الإسلام ابن تيمية نسبوا له هذه العقيدة (^٢).
٣ - لم ينسبها أحد من الناس لغير شيخ الإسلام ابن تيمية.
سبب تأليفها:
سبب تأليف هذه العقيدة، ذكره شيخُ الإسلام نفسه، إذ قال: «هذه كان سبب كتابتها أنه قدِم عليَّ من أرض (واسط) (^٣) بعضُ قضاة نواحيها - شيخ
_________
(^١) مجموع الفتاوى (٣/ ١٩٤).
(^٢) ينظر: العقود الدرية ص (٦٨)، والدرر الكامنة (١/ ١٨٠)، والبدر الطالع (١/ ٦٦)، والعبر (٤/ ١١)، ومرآة الجنان (٤/ ١٨٠)، والبداية والنهاية (١٤/ ٤٢).
(^٣) واسط: مدينة بالعراق، بناها الحجاج ين يوسف، وسميت بذلك لأنها وسطٌ بين البصرة والكوفة. ينظر: معجم البلدان (٥/ ٣٤٧).
1 / 17
يقال له: (رضي الدين الواسطي) من أصحاب الشافعي - قدم علينا حاجًّا، وكان من أهل الخير والدين، وشكا ما الناسُ فيه بتلك البلاد وفي دولة التَّتَر من غلبة الجهل والظلم ودروس الدين والعلم، وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، فاستعفيتُ من ذلك وقلت: قد كتب الناس عقائد متعددة؛ فخذ بعض عقائد أئمة السنة، فَأَلَحَّ في السؤال وقال: ما أحب إلا عقيدة تكتبها أنت، فكتبت له هذه العقيدة وأنا قاعد بعد العصر (^١)، وقد انتشرت بها نسخ كثيرة؛ في مصر؛ والعراق؛ وغيرهما» (^٢).
سبب تسميتها بالواسطية:
هي نسبة إلى مدينة (واسط) كما في سبب تأليفها المذكور آنفًا، إذ كُتِبَتْ هذه العقيدة لأهلها، وأول من أطلق عليها هذا الاسم شيخ الإسلام نفسه، حيث قال - في حكايته للمناظرة التي حصلت له مع أهل الكلام -: «... ثم أرسلت من أحضرها ومعها كراريس بخطي من المنزل، فحضرَت العقيدة الواسطية» (^٣).
وقال بعضهم: هي نسبة إلى الوسطية - أي وسطية أهل السنة والجماعة -
_________
(^١) ألفها في جلسة، ومن العجيب أن بعضهم يمكث في شرحها سنين، وهذا من بركة العلم، فقد بارك الله للشيخ في علمه، وفتح عليه من العلم الجم والقلم السيال، ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الجمعة:٤].
(^٢) مجموع الفتاوى (٣/ ١٦٤).
(^٣) المصدر السابق (٣/ ١٦٣ - ١٦٤).
1 / 18
ولا شك أنها عقيدة وسطية، ولكن نسبتها إلى واسط هو الصواب؛ ولأنه لو كانت نسبتها إلى الوسطية لسُمِّيتْ (العقيدة الوسطية)، لا الواسطية؛ وقد جاء في غِلاف بعض الطبعات المصرية (العقيدة الوسطية) ولعله سهوٌ، أو اعتقاد أنها نسبة إلى الوسطية، وكل ذلك غير صحيح.
تاريخ تأليفها:
أُلِّفت العقيدة الواسطية في حدود سنة (٦٩٢ هـ)؛ لأن شيخ الإسلام قال في حكايته للمناظرة مع أهل الكلام: «أنا أعلم أن أقوامًا يكذبون عليَّ؛ كما قد كذبوا عليَّ غير مرة، وإن أمليت الاعتقاد من حفظي: ربما يقولون كتم بعضه؛ أو داهن ودارى، فأنا أحضر عقيدة مكتوبة؛ من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام» (^١)، يقصد بذلك العقيدة الواسطية، ومجيء التتر كان سنة (٦٩٩ هـ)، فإذا نُقص منها سبع سنين صارت (٦٩٢ هـ).
موضوعها:
اشتملت العقيدة الواسطية على عدد من موضوعات العقيدة، منها: مسائل الأسماء والصفات، ووسطية أهل السنة والجماعة، ومسائل الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وحقوق الصحابة وآل البيت، وكرامات الأولياء، وطريقة أهل السنة في السلوك والعمل، وغيرها من المسائل التي هي من أصول مذهب أهل السنة والجماعة، وقد تخلل هذه
_________
(^١) مجموع الفتاوى (٣/ ١٦٢).
1 / 19
المسائلَ بعضُ القواعد الجامعة في العقيدة.
قال شيخنا ابن عثيمين ﵀ في شرحه للقواعد المثلى: «إن قال قائل: ما الفرق بين هذا - أي القواعد المثلى - وبين ما قرأناه من العقيدة الواسطية؟
الجواب: الفرق أن العقيدة الواسطية يتكلم فيها المُصَنِّف ﵀ عن المسائل، وربما يشير إلى القواعد، لكن الأصل أنه إنما يتكلم عن المسائل، أما هذه فإنها تبحث في القواعد العامة، بقطع النظر عن كل مسألة بعينها، فبينهما فرق، يشبه الفرق بينهما ما بين أصول الفقه والفقه؛ لأن هذه قواعد وما ذكره المُصَنِّف ﵀ في الواسطية مسائل» (^١).
قيمتها العلمية:
تتمثل القيمة العلمية للعقيدة الواسطية في أمور، أبرزها ما يلي:
١ - تلقي العلماء وطلبة العلم لها بالقبول وثناؤهم عليها، في القديم والحديث، قال الذهبي ﵀ في حكاية مناظرة شيخ الإسلام: «ووقع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد» (^٢).
وقال العلامة ابن رجب ﵀ أيضًا: «ووقع الاتفاق ... على أن هذه عقيدة سُنية سلفية» (^٣).
_________
(^١) شرح الواسطية لابن عثيمين الشريط الأول، الوجه الأول.
(^٢) نقله ابن عبد الهادي في العقود الدرية ص (٢١٢).
(^٣) ذيل طبقات الحنابلة (٤/ ٥١١).
1 / 20
وقال الشيخ السعدي ﵀: «جَمَعت على اختصارها ووضوحها جميعَ ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة» (^١).
وقال شيخنا الشيخ ابن باز ﵀: «ومِن كتب العقيدة المهمة كتاب (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فهو كتاب جليل مختصر عظيم الفائدة في مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة» (^٢).
وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين ﵀ وهو يوصي ببعض الكتب المهمة -: «كتاب (العقيدة الواسطية)، وتتضمن توحيد الأسماء والصفات، وهي من أحسن ما ألف في هذا الباب، وهي جديرة بالقراءة والمراجعة» (^٣).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (^٤): «أما كتاب (العقيدة الواسطية) فهو كتاب جليل مشتمل على بيان عقيدة أهل السنة والجماعة بالأدلة من الكتاب والسنة، فنوصيك باعتقاد ما فيه والدعوة إلى ذلك».
٢ - جلالة مؤلفها، الذي يُعَد من أئمة أهل السنة والجماعة، ومن أكبر المنافحين والمدافعين عن الحق وعن عقيدة السلف، وقد كتب الله له القبول فطبَّق علمُه الآفاقَ، وذاع صيته في جميع المدن والأعماق.
٣ - أَنَّ المُصَنِّف ﵀ حشد في هذه الرسالة من نصوص الوحيين ما
_________
(^١) التنبيهات اللطيفة ص (١٣).
(^٢) مجموع فتاوى ابن باز (٢٧/ ٣٩٦).
(^٣) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (٢٦/ ٣٤١)، وكتاب العلم له ص (٧٠).
(^٤) (٢/ ٢٤٢).
1 / 21
يشفي ويكفي (^١)؛ ولذا جاءت بعض الأبواب والفصول وليس فيها غير الآيات والأحاديث، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام بنفسه، فقال: «تحريت في هذه العقيدة اتباع الكتاب والسنة» (^٢)، وقال أيضًا: «وكل لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية أو حديثًا أو إجماعًا سلفيًّا» (^٣).
٤ - أَنَّ المُصَنِّف ﵀ تحرى في هذه العقيدة ما أجمع عليه سلفُ هذه الأمة؛ من القرون المفضلة ومن بعدهم، لذلك جاءت محكمة متقنة؛ ويقول في ذلك: «وقلت مرَّاتٍ: قد أمهلتُ كل من خالفني في شيء منها ثلاثَ سنين؛ فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبيُّ ﷺ ... يخالفُ ما ذكرتُه فأنا أرجعُ عن ذلك» (^٤).
شروحها والتعليقات عليها:
لقد اعتنى العلماء وطلبة العلم بهذه العقيدة؛ حفظًا، وتدريسًا، وقد شرحت بشروح كثيرة منها:
١ - التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة: للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:١٣٧٦ هـ).
_________
(^١) وهذا فيه فائدة لطالب العلم؛ وهي أن يدعم ما يقول ويكتب بنصوص الكتاب والسنة، وأن لا يكون كلامه خاليًا منهما؛ فيصير جافًّا من دونهما.
(^٢) مجموع الفتاوى (٣/ ١٦٥).
(^٣) المصدر السابق (٣/ ١٨٩).
(^٤) المصدر السابق (٣/ ١٦٩).
1 / 22
٢ - التعليقات السَّنِيَّة على العقيدة الواسطية: للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (ت:١٣٧٦ هـ).
٣ - شرح العقيدة الواسطية: من تقريرات الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت:١٣٨٩ هـ)، كتبها ورتبها: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم.
٤ - شرح العقيدة الواسطية: للشيخ محمد خليل هرَّاس (ت:١٣٩٥ هـ).
٥ - حاشية على العقيدة الواسطية: للشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد ابن مانع (ت:١٣٩٤ هـ).
٦ - الروضة النديَّة شرح العقيدة الواسطية: للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت:١٤١٦ هـ).
٧ - التَّنبيهات السنيَّة على العقيدة الواسطية: للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد (ت:١٤١٨ هـ).
٨ - شرح العقيدة الواسطية: للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت:١٤٢١ هـ).
٩ - الكواشف الجليَّة عن معاني الواسطية: للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان (ت:١٤٢٢ هـ).
١٠ - الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية: للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان أيضًا (ت:١٤٢٢ هـ).
١١ - شرح العقيدة الواسطية: للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
١٢ - التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن
1 / 23
الجبرين (ت:١٤٣٠ هـ).
١٣ - توضيح مقاصد العقيدة الواسطية: للشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
١٤ - اللآلئ البهية في شرح العقيدة الواسطية: لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
١٥ - الأسئلة النجدية على العقيدة الواسطية: للشيخ محمد بن علي بن سليمان الرُّوق.
١٦ - الفوائد السنية على العقيدة الواسطية: للشيخ عبد الله بن صالح بن محمد القصير.
١٧ - شرح العقيدة الواسطية: للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
١٨ - التعليقات المفيدة على العقيدة الواسطية: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن علي الشريف.
١٩ - شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: للشيخ خالد بن عبد الله المصلح.
٢٠ - شرح العقيدة الواسطية: للشيخ خالد بن عبد الله باحميد الأنصاري.
٢١ - الجلسات الطلابية لشرح العقيدة الواسطية: لشيخنا عبد الله بن محمد الغنيمان.
1 / 24
بسم الله الرحمن الرحيم
الشرح قوله: «بِسْمِ الله» ابتدأ المُصَنِّف هذه الرسالة بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، إذ جاءت البسملة في أول سور القرآن؛ واقتداءً بالنبي ﷺ في مكاتباته؛ كما في كتابه لهرقل، إذ ابتدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ فعن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره، قال: «دَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله ﷺ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهدَى أَمَّا بَعْدُ» (^١). أما الحديث الشهير، الذي روي من طريق أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ» (^٢)، وفي رواية: «أبتر» (^٣)، وفي رواية: «لا يُبْدَأ فِيهِ بِالحمْدِ للهِ فَهُوَ أَقْطَع» (^٤) فهو _________ (^١) صحيح البخاري (١/ ٨) رقم (٧)، وصحيح مسلم (٣/ ١٣٩٣) رقم (١٧٧٣). (^٢) أخرجه بهذا اللفظ الخطيبُ البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (٢/ ٦٩). (^٣) هذه الرواية عند عبد القادر الرُّهاوي في كتاب الأربعين ص (٥). (^٤) هذه الرواية عند أبي داود (٤/ ٢٦١) رقم (٤٨٤٠)، وابن ماجه (١/ ٦١٠) رقم (١٨٩٤)، والدارقطني (١/ ٤٢٧) رقم (٨٨٣)، وابن حبان (١/ ١٧٣) رقم (١)، والبيهقي في شعب الإيمان (٦/ ٢١٤) رقم (٤٠٦٢)، وإسنادها ضعيف، قال أبو داود: «رواه يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري عن النبي ﷺ مرسلًا».
الشرح قوله: «بِسْمِ الله» ابتدأ المُصَنِّف هذه الرسالة بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، إذ جاءت البسملة في أول سور القرآن؛ واقتداءً بالنبي ﷺ في مكاتباته؛ كما في كتابه لهرقل، إذ ابتدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ فعن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره، قال: «دَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله ﷺ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهدَى أَمَّا بَعْدُ» (^١). أما الحديث الشهير، الذي روي من طريق أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ» (^٢)، وفي رواية: «أبتر» (^٣)، وفي رواية: «لا يُبْدَأ فِيهِ بِالحمْدِ للهِ فَهُوَ أَقْطَع» (^٤) فهو _________ (^١) صحيح البخاري (١/ ٨) رقم (٧)، وصحيح مسلم (٣/ ١٣٩٣) رقم (١٧٧٣). (^٢) أخرجه بهذا اللفظ الخطيبُ البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (٢/ ٦٩). (^٣) هذه الرواية عند عبد القادر الرُّهاوي في كتاب الأربعين ص (٥). (^٤) هذه الرواية عند أبي داود (٤/ ٢٦١) رقم (٤٨٤٠)، وابن ماجه (١/ ٦١٠) رقم (١٨٩٤)، والدارقطني (١/ ٤٢٧) رقم (٨٨٣)، وابن حبان (١/ ١٧٣) رقم (١)، والبيهقي في شعب الإيمان (٦/ ٢١٤) رقم (٤٠٦٢)، وإسنادها ضعيف، قال أبو داود: «رواه يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري عن النبي ﷺ مرسلًا».
1 / 25